خمسة مصادر بديلة لتمويل مؤسستك الصغيرة أو المتوسطة في مملكة البحرين
تُشكّل منظومة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة جزءًا حيويًا من الاقتصاد البحريني، إذ تسهم بنسبة كبيرة تُقدّر بحوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصاديّة الاستثنائيّة وغير المتوقعة قد تؤدي أحيانًا إلى فشل العديد من هذه الأعمال قبل أن تحظى بفرصتها في النضوج والنمو. ومن هنا، فإن استكشاف الحلول التمويليّة البديلة، بخلاف القروض المصرفيّة التقليديّة، يعتبر عاملًا مهمًا لنجاح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وازدهارها، لا سيّما في ظل ما يشهده عالم الأعمال في يومنا الحالي من أجواء تنافسيّة حادة. لذا فسوف نتناول في هذا المنشور بعض من مصادر التمويل المختلفة المتاحة لمنظومة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة، بما في ذلك سندات الدين القابلة للتحويل والتمويل الجماعي.
سندات الدين القابلة للتحويل
تًمثل سندات الدين القابلة للتحويل حلًا تمويليًا بديلًا فعّالًا، وهي تُشكّل أحد الخيارات الجذّابة للمستثمرين وروّاد الأعمال على حدٍ سواء نظرًا لمرونتها وبساطتها، إذ يمكن تحويلها إلى أسهم في مرحلة لاحقة، ويكون ذلك عادةً حين تدخل الشركات المرحلة التالية من عملية جمع الأموال أو من خلال أحد آليات التخارج على غرار الطرح العام الأولي أو الاستحواذ. وفي العام 2020، قامت البحرين بتعديل قانون الشركات التجاريّة لتسمح للشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بجمع الأموال من خلال إصدار سندات دين قابلة للتحويل، لتصبح المملكة بذلك أول دولة في بلدان مجلس التعاون الخليجي تشرّع استخدام هذا النوع من أدوات الدين لتمويل الشركات.
وتتمتع سندات الدين القابلة للتحويل بالعديد من المزايا، إذ تتيح للمستثمرين فرصة الاستثمار في الشركات ذات إمكانات النمو الواعدة، كما تحد في الوقت ذاته من المخاطر المقترنة بالاستثمار في الشركات التي ما زالت تمر بالمراحل المبكرة لأعمالها. أما فيما يخص روّاد الأعمال، فإن سندات الدين القابلة للتحويل توفر لهم خيارًا تمويليًا مرنًا يتيح لهم إرجاء عملية التقييم المالي للشركة إلى مرحلة لاحقة، مع تجنب الحاجة إلى التخلّي عن حصة من أسهم الشركة في مرحلة مبكرة.
التمويل الجماعي
يُشكّل التمويل الجماعي أحد الحلول التمويليّة التي تزايدت شعبيتها بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السنوات الأخيرة بفضل ظهور المنصات الإلكترونيّة التي تُسهّل عملية الربط والتواصل بين روّاد الأعمال والمستثمرين المحتملين. ويتمثل مفهوم التمويل الجماعي في مساهمة عدد كبير من الأفراد بمبالغ ماليّة صغيرة في الشركات والأعمال، ويوجد نوعان رئيسيان لهذا الحل التمويلي، وهما التمويل الجماعي القائم على المكافآت والتمويل الجماعي القائم على الأسهم. ففي النوع الأول، يحصل المستثمرون على منتج أو خدمة مقابل إسهاماتهم، أما في النوع الثاني فيحصل المستثمرون على أسهم في الشركة مقابل استثماراتهم.
ويقدم التمويل الجماعي مزايا عديدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إذ يتيح لها إمكانية الوصول إلى قاعدة واسعة من المستثمرين المحتملين، وهو ما يزيد من فرص نجاح عملية جمع الأموال. كما يساعد الشركات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على بناء قاعدة من العملاء المخلصين لعلاماتها التجاريّة، فضلًا عن الترويج لمنتجاتها وخدماتها.
وفي العام 2022، استجاب مصرف البحرين المركزي للطلب المتزايد على استحداث منتجات تمويليّة جديدة لخدمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة من خلال إصدار توجيهات جديدة لمشغلي منصات التمويل الجماعي تتماشى مع خطة التعافي الاقتصادي. وستعمل هذه اللوائح والأنظمة الجديدة على تيسير خطوات عملية التمويل الجماعي من خلال بنية تحتيّة آمنة وبسيطة وموفرة للتكلفة، وهو ما يجعل هذا الحل التمويلي خيارًا ملائمًا ومُجديًا لروّاد الأعمال في المملكة.
الاستثمار الجريء (رأس المال المُخاطر)
يعتبر الاستثمار الجريء خيارًا تمويليًا فعّالًا آخر للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البحرين. ويُمثل المستثمرون المغامرون أو أصحاب رأس المال الجريء المستثمرين الذين يقدمون التمويل للشركات الجديدة في مراحلها المبكرة أو الشركات ذات إمكانات النمو العالية والتي من المتوقع أن تحقق عوائد كبيرة. إذ يقومون بالاستثمار عادةً مقابل حصة من أسهم الشركة المعنية، كما يشاركون أيضًا بدور حيوي في دعم الشركة من خلال توفير التوجيه الاستراتيجي والخبرات القيّمة في القطاعات المختلفة.
إلى جانب التمويل، يمكن لهذا النوع من المستثمرين أن يقدم أيضًا ميزة الوصول إلى شبكة من العلاقات التي تساعد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على توسيع قاعدة عملائها وإبرام الشراكات المثمرة.
ومع ذلك، قد يصعب أحيانًا الحصول على رأس المال الجريء، إذ قد تحتاج المؤسسات إلى التمتع بسجل موثوق من النجاحات أو تقديم منتج أو خدمة فريدين من نوعهما لتكون قادرة على جذب هذا الاستثمار. كذلك قد يتعيّن على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تنجح في تأمين استثمار جريء التخلّي عن حصة كبيرة من أسهمها في أعمالها.
ومن الناحية التنظيميّة والرقابيّة، تتمتع مملكة البحرين بمكانة مرموقة وسجل حافل بالإنجازات فيما يخص الشركات الاستثماريّة التي تعمل في مجال الاستثمار الجريء، إذ طرح مصرف البحرين المركزي فئة ترخيص جديدة لتنظيم هذا النوع من أنشطة الأعمال.
المستثمرون الملائكة
على غرار الاستثمار الجريء، يعتبر الكمن الاختلاف الرئيسي بين هذين النوعين من الحلول التمويليّة في أن المستثمرين الملائكة يكونون في المعتاد من الأفراد ذوي الثروات الضخمة، ويقومون باستثمار أموالهم الخاصة في الشركات الناشئة، كما يكونون عادةً على استعداد أكبر للمجازفة وتحمّل المخاطر.
ويوفر المستثمرون الملائكة رأس المال للشركات الناشئة أو الشركات التي ما زالت في المراحل المبكرة لتأسيسها مقابل حصة من أسهمها. كما يمكنهم أيضًا تقديم التوجيه والإرشاد لروّاد الأعمال استنادًا إلى خبراتهم الشخصيّة كأصحاب أعمال ناجحين.
ويعتبر المستثمرون الملائكة خيارًا جذّابًا لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البحرين، لا سيّما تلك التي ما زالت في مراحل مبكرة جدًا من تأسيسها ومن ثم قد يصعب عليها جذب مصادر الاستثمار الجريء. كذلك قد يكون المستثمرون الملائكة على استعداد للاستثمار في صناعات أو أسواق متخصصة غالبًا ما تغفل عنها مصادر الاستثمار الأخرى، وهو ما يجعل هذا الحل التمويلي مناسبًا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في القطاعات المتخصصة والمبتكرة.
وعلى غرار الاستثمار الجريء، قد يصعب الحصول على تمويل من المستثمرين الملائكة، وقد يتعيّن على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة طرح خطة محكمة لأعمالها وعرض أفكارها بأسلوب متميّز يأسر الانتباه من أجل جذب هذا النوع من الاستثمار. ومع ذلك، إذا نجحت الشركة في اجتذاب المستثمر الملاك المناسب في الوقت المناسب، فإنه قد يشكّل الشريك الأمثل لنمو أعمالها وازدهارها.
ويمكن لروّاد الأعمال الراغبين في استكشاف هذا الحل التمويلي المشاركة في الفعاليات المتخصصة التي تتم إقامتها في المملكة مثل الأسبوع العالمي لريادة الأعمال الذي ينظمه صندوق العمل “تمكين” بالتعاون مع شركة “تنمو”، وهي أول مؤسسة بحرينيّة تعمل في مجال الاستثمار الملائكي والتي تعمل على توفير فرص التوجيه والتمويل للمشاريع الواعدة والمبتكرة.
الائتمان التجاري
يُمثل الائتمان التجاري أحد أشكال الائتمان التي يقدمها الموردون لعملائهم ليتسنّى لهم شراء السلع والخدمات وفقًا لشروط ائتمانيّة مع الدفع لاحقًا خلال فترة تتراوح في المعتاد من 30 إلى 60 يومًا. وتكفل القوانين واللوائح التي سنّها مصرف البحرين المركزي حماية مصالح الجهات الدائنة، فضلًا عن ضمان شفافية معاملات الائتمان التجاري وإنصافها ونزاهتها، وهو ما يجعله حلًا تمويليًا فعّالًا يُعتمد عليه.
ويُشكّل الائتمان التجاري خيارًا تمويليًا جذّابًا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تتمتع بعلاقات جيّدة مع مورديها وتتميّز بسجل موثوق في سداد المدفوعات في وقتها. ومن خلال استخدام الائتمان التجاري، يمكن للمؤسسات توجيه التدفقات النقديّة نحو زيادة رأس المال العامل، وهو ما يتيح لها فرصة الاستثمار في دعم المجالات الأخرى لأعمالها وتحسينها، مثل التسويق أو تطوير المنتجات.
وعلاوة على ذلك، يساعد الائتمان التجاري المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على بناء سجلها الائتماني وتحسين جدارتها الائتمانيّة ليسهل عليها الحصول على أشكال أخرى من التمويل مستقبلًا. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المدفوعات المتأخرة أو العجز عن السداد قد تترتب عليهما عواقب غير محمودة، مثل الإضرار بالعلاقات مع الموردين أو التأثير على درجة الأهلية الائتمانيّة للمؤسسة.
هذا وتتميّز مملكة البحرين باقتصاد منفتح ومتحرر وبيئة تنظيميّة ورقابيّة داعمة للأعمال، كما تسعى إلى تعزيز منظومة ريادة الأعمال وتحفيز النمو الاقتصادي. ومن هنا فإننا نحث روّاد الأعمال على استكشاف الخيارات التمويليّة المتنوعة المتاحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة، وذلك استنادًا إلى احتياجات أعمالها وتطلعاتها وأهداف النمو الخاصة بها. فمن خلال حصولكم على رؤوس الأموال هذه، يمكنكم توسيع نطاق أعمالكم وزيادة الإيرادات وتحقيق النجاح طويل الأجل.