وازن مهاراتك لتحقق نجاحك
تعد القدرة على قياس الأثر إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه المهتمين بتنمية الموارد البشرية. حيث إننا نميل إلى التركيز بشكل أكبر على الأمور التي يمكن توثيقها وقياسها “موضوعياً” بسهولة. هذا الأمر أدى إلى بروز تقليد “التصديق” في العديد من المنظمات. إذ يمكننا بسهولة التحقق من الدبلومات والشهادات المعتمدة، لكن في كثير من الأحيان، تكون المهارات التي لا يسهل قياسها هي التي تمكّن الأشخاص من الاستفادة من مؤهلاتهم الرسمية.
الفرق بين “المهارات التقنية” و”المهارات الشخصية”
عادةً ما تشير المهارات التقنية إلى كفاءاتنا الفنية. وهي عادةً ما تكون مهارات تُعلَّم من خلال البرامج التعليمية والتدريبية. ويمكن قياسها من خلال أسئلة لها “إجابة صحيحة محددة”. لهذا السبب، تنتهي برامج تطوير المهارات عادةً بتقييم يسعى لتحديد ما إذا كان المشارك قد اكتسب المهارات التي تُنقل إليه بنجاح.
أما المهارات الشخصية فهي أكثر صعوبة في القياس الموضوعي، وذلك لأن تطبيقها يكون غالباً محددًا بالمواقف. إذ أنّ فعالية تواصلنا تتعلق بقدرتنا على نقل وشرح الأفكار والمفاهيم بطريقة تحقق النتيجة التي نسعى إليها. لكن “الوصفة الصحيحة” للتواصل الفعال يمكن أن تعتمد بشكل كبير على جمهورنا والسياق الذي نود التحدث فيه. حيث تتعلق مهاراتنا الشخصية أيضًا بأمور مثل قدرتنا على فهم الإيحاءات المختلفة.
أهمية الذكاء العاطفي
قدرتنا على التعاطف ورؤية الأمور من منظور الآخرين، وفهم مخاوفهم، هي أمور حاسمه لبناء علاقات قوية مبنية على الاحترام المتبادل والثقة. بينما تعد مهارات التواصل ركناً أساسياً ضمن المهارات الشخصية، فإن قدرتنا على الاستماع والبحث بفعالية عن وجهات النظر المختلفة إضافة إلى قدرتنا على التكيف مع هذه التغييرات هي أمر أساسي لضمان استمراريتنا أمامها.
وبالرغم من ضرورة التفكير في المهارات الشخصية على أنها منفصلة عن المهارات التقنية، فإن العكس هو الصحيح في الممارسة. فالمهارات الشخصية عادةً ما تسمح لنا بالاستفادة القصوى من مهاراتنا التقنية: وذلك من خلال إظهار مهاراتنا التقنية بكل ثقة، ونقل المعرفة للآخرين بفعالية، وإظهار الحقائق ذات الصلة وبيان أهميتها. كما أن معرفة جميع الإجابات الصحيحة لن يفيدنا ما لم نتمكن من التعبير عنها بفعالية. وبالمقابل، لا يمكن لأي قدر من البلاغة أن يعوض عن نقص في المهارات التقنية. حيث أصبح من الضروري أن تكون مهاراتنا متوازنة. حيث أن وجود مهارات تقنية من غير المهارات الشخصية لن يغنينا ولن يضيف لقاموس إنجازاتنا شيئاً.
هل يمكن تعليم المهارات الشخصية؟
طرق اكتساب المهارات التقنية معروفة جيدًا. لكن هل يمكن تعليم المهارات الشخصية؟
يبدو أن العديد من المهارات الشخصية مرتبطة بالقدرات والميول الفطرية. نحن جميعًا نعرف أشخاصًا “بارعين في إنجاز الأمور”. هم منظمون في تفكيرهم ومنضبطون في أفعالهم. ومع مرور الوقت، يكتسب العديد منهم سمعة جيدة تمكن الآخرين من الوثوق بهم. ولكن قدرتهم على “إنجاز الأمور” نادرًا ما تكون مرتبطة مباشرة بمؤهلاتهم الرسمية ومهاراتهم التقنية. معظمهم لا يتفاخرون بحصولهم على شهادات الماجستير في إدارة الأعمال، بل ترتبط مهاراتهم بشخصيتهم وتجاربهم. وبالمثل، نحن جميعًا التقينا بأشخاص يمكنهم إنجاز المهام بسهولة ظاهرة بسبب ذكائهم العاطفي. هم جيدون في التواصل مع الآخرين، يُنظر إليهم على أنهم أشخاص محببون ولطيفون، ويمكنهم الاستفادة من ذكائهم العاطفي لإقناع الآخرين بالإنجاز. وغالبًا ما يفعلون ذلك بيسر أكثر من الأشخاص الذين يبدون أكثر تفوقًا من حيث المؤهلات التقنية.
عندما ننظر إلى الأشخاص الذين نجحوا في الأعمال التجارية العالمية، والسياسة، أو غيرها من مجالات الحياة، فإنهم لا يمتلكون دائمًا المؤهلات التعليمية المثالية. إن العقل البشري معقد للغاية، وقدرتنا على استيعاب ومعالجة المعلومات متنوعة للغاية، وهو شيء حاول الفلاسفة وعلماء النفس توثيقه على مدى قرون من خلال تصنيفات مختلفة لأنواع وأنماط الشخصيات. ومع ذلك، يمكن بالتأكيد تعليم المهارات الشخصية، ليس تحديداً مثل المهارات التقنية، ولكن بطرق تسمح للآخرين فهم أهمية تركيزهم على المهارات الشخصية. قبل كل شيء، يمكننا أن نجعل الناس أكثر وعيًا بأنفسهم وبنقاط قواتهم، وذلك من خلال التأكيد على أن القوة الاستثنائية في المهارات التقنية قد لا تكون كافية لتحقيق طموحاتهم. كما يجب على الأشخاص الذين يرغبون في تطوير مهاراتهم الشخصية أن يكونوا مستعدين لطلب وتلقي النصيحة من الآخرين. لأن المهارات الشخصية هي أداة للتفاعل الشخصي المؤثر. ولكن بغض النظر عن مجموعة مهاراتنا الحالية، فإن الوتيرة المستمرة للتغيير من حولنا تعني أنها لن تبقى محدثة ما لم نقم بتجديدها بشكل مستمر. ربما تكون أهم وصفة للنجاح، لذلك، فإن استعدادنا للتعلم بشكل مستمر، سواء من خلال النصيحة من الآخرين أو من خلال القنوات المتعددة التي تتيح لنا مواكبة التغييرات من حولنا.