من المرونة إلى الاستدامة
الدكتور يارمو كوتيلاين – الرئيس التنفيذي للإستراتيجية وتحليل البيانات بصندوق العمل “تمكين”
مع تنامي الرغبة في التواصل بشكل آني، وتزايد المخاطر المتعلقة بالسياسة والاقتصاد والصحة العامة، أصبح العالم مكانًا محفوفًا بالتطورات التكنولوجية غير المسبوقة مما يجعل التنبؤ به أمرًا بالغ الصعوبة.
لقد ولت الأيام التي كان المرء فيها يفتتح متجره معتمدًا على ثبات مستوى العوائد من النمو السكاني وتزايد الإنفاق الحكومي.
إذ لا يقتصر الواقع الجديد على توقع غير المتوقع، بل يمثل فرصة فريدة لمن هم على استعداد لتوقع وتبني المتغيرات.
ويتم النظر إلى مستوى التنافسية في مجال الأعمال التجارية وتحديده بشكل متزايد بمدى قدرة هذه الأعمال على التكيف مما يتطلب تحولًا جوهريًا في ثقافة الأعمال. حيث يتوجب علينا ألا ننظر إلى المشاريع التجارية على أنها فرصة لجني الأموال يتم تحديد مدى نجاحها باختيار القطاع “الصحيح” والمكان، وإدارة النفقات بصورة فعالة.
إذ أنّ الواقع الاقتصادي الراهن، ترك العديد من المؤسسات بنماذج عمل قديمة مما أثر بشكل سلبي على أرباحها، وأدى إلى انحسارها بل وتلاشيها في كثير من الأحيان.
وجائحة كورونا تعدّ أكبر مثال على كيفية تزعزع توقعات الاستمرارية ومدى أهمية التخطيط المسبق للمستقبل.
وبالرغم من ذلك، فإن الجائحة لم تشكل تحديًا مستحيلاً أمام الأشخاص الذين كانوا على استعداد للاستجابة. حيث تمكنت العديد من الشركات من إحراز التقدم عبر توظيف التكنولوجيا وإجراء المتغيرات اللازمة لمواكبة المستجدات التي أدت إلى تغير واقع الأعمال.
حيث ساهمت خدمة توصيل الطلبات في تسهيل الوصول إلى العملاء خلال فترة الحظر والإغلاق، كما أتاحت سياسة العمل عن بعد للموظفين فرصة البقاء على تواصل مع صعوبة التواجد في مقر العمل. إلى جانب تنامي حزمة الحلول الرقمية التي عززت من إمكانية متابعة جميع جوانب العمليات التشغيلية بكل يسر.
كيف للمؤسسات أن تكون أكثر مرونة من خلال زيادة قدرتها على التكيف والاستدامة؟
فمع عدم وجود “معادلة سحرية”، إلا أنّ الأخذ بعدد من الخطوات الأساسية المحددة قد يسهم في تحقيق النتائج بصورة أكثر سرعة.
ولعلّ الأهم من ذلك، أنّ الذكاء يأتي من التخلي عن الجمود والاكتفاء بما تم تحقيقه. إذ أنّ اتخاذ الماضي نقطة مرجعية وحيدة أو “تمني الأفضل” ليس أفضل وصفة للنجاح.
عوضًا عن ذلك، فإن المعرفة هي القوة. حيث تسعى الأعمال التي تتسم بالمرونة العالية إلى فهم عملائها وسوقها ومنافسيها. إذ أنّ توافر بيانات السوق اليوم قد تحسن بشكل كبير وبات من السهل على الشركات جمعها أو الحصول عليها.
ويمكن للمعلومات توجيه المؤسسات لاتخاذ نهج أكثر إستراتيجية، مما يسمح لها بتكوين رؤية شاملة لفرص النمو، وطرق إدارة التكاليف، والمجالات التي يمكن لها المنافسة فيها، ناهيك عن الطرق التي تمكنها من حماية وتعزيز قدرتها التنافسية.
ففي حين أن التخطيط الإستراتيجي يقدم خارطة طريق مدروسة، إلا أنّه لا يمكن أن يكون ثابتًا بشكل قطعي في عالم مليء بالمفاجآت. كما لا ينبغي للشركات أن تنتظر حدوث أزمة لإجراء التغييرات اللازمة على نماذج أعمالها.
حيث تعتبر القدرة على التكيف التي تساهم في الأهداف الإستراتيجية هي الطريق إلى الأمام. المنافسة هي عملية مرنة وصفها فريدريك حايك بأنها محرك للابتكار حيث “يبحث رواد الأعمال باستمرار عن الفرص غير المستغلة”.
الأعمال الذكية هي التي تطرح الأسئلة باستمرار، وتحرص على توقع الاتجاهات، والتفكير في المستقبل، والبحث عن فرص لتحسين الكثير بما يتوافق مع المنهج الياباني “كايزن”.
وبعيدًا عن البيانات، فإن التكنولوجيا تتيح ما يمكن اعتباره أفضل تذكرة للعبور إلى ثقافة الأعمال الجديدة. إذ تتوفر غالبية الحلول الرقمية اليوم وفق أسس مرنة، ذات تكاليف منخفضة وقابلية أعلى للتطوير من خلال اشتراكات التوصيل التي تتطلب الحد الأدنى من البنى التحتية الداخلية.
وعادة ما يتم تحديث هذه الخدمات بصورة مستمرة لضمان توظيف أحدث التقنيات المتاحة كم حيث الكفاءة والأمان.
إلا أن التكنولوجيا تعدّ أيضًا أداة لجمع البيانات وتحليلها مما يساهم في خلق تقييم واقعي مستمر حول كيفية التحقق من التوظيف الأمثل للفرص الناشئة وإدارة المخاطر بكل جدارة واقتدار.