الموازنة بين التجارب الخلاقة والتوجهات الهادفة
لربما سمعت عن أهمية الإبداع في مجال عملك، أو قد يكون لديك مشروعاً تجارياً وتود أن تضيف عليه عامل الابتكار من خلال المنتجات والخدمات المقدمة ليكون في صدارة المشاريع المماثلة في نفس المجال. فبحسب ريد هوفمان، المؤسس المشارك لشركة LinkedIn، فأنت بحاجة إلى تحقيق التوازن بين التجارب الخلَاقة والاتجاه الهادف إذا أردت أن تطبق فكرة مبتكرة.
كن مطمئنا، فأنت لست الوحيد ممن يفكر بهذه الطريقة. قد يكون لدى العديد من رواد الأعمال الذين يطمحون إلى تمييز أنفسهم عن بقية المشاريع المماثلة في سوق العمل الهاجس في إبراز فكرتهم الريادية بشكل مختلف أو بأسلوب مبتكر، لكنهم يفشلون في تنفيذها بالشكل المطلوب.
إذ أنّ تحقيق هذا التوازن بين التجارب الخلاقة والاتجاه الهادف يعدّ أمرا بالغ الأهمية لأي رائد عمل لا يطمح إلى إنتاج منتج أو خدمة مبدعة وحسب- بل يطمح بأن يقدمها بجدارة لبقية العالم!
وبينما يمثل الإبداع عاملاً حيويًا في جميع المراحل، إلا أنّ وضوح الرؤية حول التوجهات والأهداف المحددة التي يتم التركيز عليها يعدّ من الأمور التي يجب على المرء التحلي بها. ولعلّ أفضل ما في الإبداع أنّه غير مقيد أو محدود، وتختلف كيفية تطبيقه بحسب طبيعة القطاع، والمهام المراد تحقيقها، وأساليب القيادة.
وللتحقق من أن عملك يسير نحو اتجاهات هادفة، فإن عليك طرح عدد من الأسئلة ذات الأهمية: من هم منافسوك؟ ما أبرز نجاحاتهم؟ ما الذي ينقصهم؟ ما هي فرص السوق الرئيسية؟ كيف تبدو ظروف نجاحك؟ كيف تعرف أنك تسير في الاتجاه المطلوب؟ كيف ستؤثر هذه الفكرة الجديدة على منتجاتك وخدماتك ومواقعك الحالية؟
من السهل الوقوع في فخ التفكير في أنه كلما كانت منتجاتك أوسع، زادت مساحة تجاربك الإبداعية، وقلت الحاجة إلى التوجيه الهادف، إلا أنّ هذا يعد مغالطة كبرى. إذ أنّ التجارب الإبداعية تعمل بشكل أفضل عندما تدور حول فكرة محددة تتطلب التركيز الإستراتيجي على المهام المطلوبة، والأخذ بالاعتبار ما يمكنك القيام به، وما عليك القيام به للوصول إلى ذلك.
ولا يمكن أن يقتصر الهدف من الإبداع على الاختلاف، بل يجب أن يكون مبنيًا على رؤية واتجاه واضحين وراءه. وسنتبين هذا المفهوم من خلال قياس دراسة حالة توني فادل – مهندس ومصمم ورائد أعمال ومستثمر أمريكي. شغل منصب نائب الرئيس الأول لقسم أجهزة iPod في شركة Apple Inc. والمؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة Nest Labs.
كان توني شخصا يتسم بالإبداع والمثابرة والتركيز، عمل بادئ الأمر في شركة تكنولوجيا الأجهزة المحمولة الشهيرة “جنرال ماجيك” ثم انتقل إلى الشركة الأخرى الرائدة في مجال التكنولوجيا الاستهلاكية Apple. وكان أحد أبرز المساهمين في أجهزة iPod وiPhone.
وبعد شركة Apple، استقل توني بعمله وأنشأ شركة Nest labs الناشئة للتكنولوجيا – وهي شركة متخصصة في المنازل الذكية، ليقوم بعد ذلك ببيعها إلى Google مقابل 3.2 مليار دولار. ويترأس توني في الوقت الحالي شركته الاستثماريةFuture Shape، التي تساعد المؤسسين الآخرين على توجيه إبداعهم لتطوير تقنياتهم التحويلية.
عبر قيامه بهذه الأدوار المختلفة، تمكن توني من تكوين رؤى متعمقة لتحقيق التوازن الصحيح بين التجارب الخلاقة والتوجهات الهادفة. فعندما عمل في جنرال ماجيك، كانت البيئة محفزة للإبداع، حيث استمر الموظفون بطرح العديد من الأفكار الجديدة. إلا أنّه ومع ذلك، لاحظ أنه على الرغم من كثرة الأفكار المدهشة التي تم طرحها، إلا أنه لم يكن هناك اتجاه واضح لاختبارها أو تحويلها إلى منتج نهائي، ولم يكن أحد يسأل السؤال الأكثر أهمية عند تطوير منتج أو خدمة “لماذا؟“
وفقًا لتوني، فإن على القائد الذي يوجه نحو الإبداع والابتكار، أن يتأكد من إمكانية توفير بيئة تحفز التجارب الإبداعية. وأن يكون هذا الأمر جزءًا من ثقافتك، وعملياتك، ونهجك.
عندما انتقل توني إلى شركة Apple، عرض فكرة Dulcimer على ستيف جوبز، وفوجئ بموافقته السريعة، مما مكنه من تنفيذها لأنها تتماشى مع رؤية ستيف جوبز للشركة. ونتج عن ذلك طرح Dulcimer الذي يعرف الآن باسم iPod – مما حوّل رؤية توني إلى واقع.
إنّ الجمع بين التجارب الهادفة والتوجهات الإبداعية ذات الأهداف الواضحة يعدّ عاملاً رئيسًا في قصة نجاح Apple التي أدّت إلى طرح مجموعة واسعة من المنتجات أشعلت المنافسة مع الشركات الأخرى بتصميمها وابتكارها.
وتتمثل نصيحة توني لرواد الأعمال في ترسيخ فكر متفتح للمساعدة في معالجة التحديات الجديدة عبر الموازنة بين الصلابة والمرونة. ويمكن القيام بذلك من خلال طرح الكثير من الأسئلة التي تسهم في الانتباه إلى التفاصيل التي توجهك نحو اتجاهك المنشود في نهاية المطاف. حيث يعد التعامل مع المشكلات بعقلية منفتحة أمرا بالغ الأهمية عند القيام بالتجارب الإبداعية، وهو ما لا يقتصر دوره على المشاريع الإبداعية فحسب، بل يسهم أيضا في توجيه الجيل القادم من رواد الأعمال.
وختامًا، فإن الاستكشاف الإبداعي لا يتمثل بالضرورة في تقديم منتج جديد إلى السوق، بل يمكن أن يمتد ليشمل تطوير الأفكار القديمة للتوصل إلى اتجاه إبداعي جديد. فعندما يكتشف رائد الأعمال أخيرا اتجاهه الهادف وينفذه بشكل صحيح، فلن تقتصر استفادته على إمكاناته المبتكرة فحسب، بل سيتمكن من إطلاق العنان لها في نهاية المطاف.
المصادر
Source: How to take creative leaps and land them
Masters of scale podcast by Reid Hoffman